الخميس، مارس 25، 2010

ماركوس أوريليوس عود علي بدء

ماركوس أوريليوس عود علي بدء

بعدما جسلت مع أناتول فرانس حدي بي الشوق للذهاب إلي ماركوس أوريليوس طبعا عارفينه لقد ذهبنا إليه واستمتعنا بكلامه وحكمه من قبل وهذا هو حديثه الثاني إلي
قال :

يجب عليك أن تدافع عن الموقفين بنفس الحزم ، صلابتك في اتخاذ القرار والعمل به وفي الوقت نفسه تلطفك مع أولئك الذين يحاولون اعتراضك أو مضايقتك ، سيكون من الضعف أن تستسلم لسخطك عليهم تماماً كما سيكون تخليك عن مخطط عملك واستسلامك .

إن غضبنا وضيقنا يؤذياننا أكثر من الأشياء التي تغضبنا أو تضايقنا .


إن الغضب لا يقل في دلالته علي الضعف من الحزن ، ففي الاثنين يتلقي الرجل طعنة ولكنه يستسلم للهزيمة .

أن تتوقع من الاشخاص السيئين ألا يرتكبوا الافعال السيئة أبداً ضرب من الحماقة ، وجري وراء المستحيل ،فأن تتسامح مع إساءاتهم للآخرين ،وفي الوقت نفسه تتوقع أن تفلت من إساءاتهم ، هو أمر غير عقلاني وتعسفي في آن واحد

يقول إبكتيتوس : اللص الذي يسرق حرية إرادتك لا وجود له

كثيرا ما أتعجب كيف أن كل إنسان يحب نفسه أكثر من أي شئ ومع ذلك فهو يعتبر رأيه الشخصي في نفسه أقل من رأي الآخرين فيه.

ما أوفر المزايا التي منحت الانسان ألا يفعل إلا ما يأذن به الله وأن يتقبل أي شئ يقضي به الله .

عندما يتملكك انطباع أن أحد الاشخاص قد ارتكب خطأ فكر من أين يأتيني اليقين أن ما فعله خطأ ؟ وحتي إذا فرضنا أنه خطأ أليس من الجائز أنه قد لام نفسه بشدة علي ارتكابه؟ لأن تتمني ألا يرتكب أحد التافهين أي خطأ شبيه بأن ترجو ألا يكون لأشجار التين أية ثمره حامضة ، أو ألا يصرخ الاطفال ، أو ألا تصهل الخيول

تجنب كل الافعال الارتجالية أو الخالية من القصد ، واجعل كل ما تفعله موجهاً للصالح العام

لكي تحيا حياة صحيحة وسليمة أغرس بداخلك بصيرة نافذة للأشياء واكتشف جوهرها ومادتها وعلتها ، واتجه بكامل فؤادك لتفعل ما هو عادل وتتحدث بما هو حق وبخلاف ذلك ، تعلم بهجة الحياة أن تتبع العمل الصالح بالعمل الصالح بحيث لا يفصلهما فاصل

الاثنين، مارس 15، 2010

مع أناتول فرانس 3

التغييرات في المجتمع كما في الطبيعة تبدأ من الداخل

الفقر مقدس وسوف ينجي العالم ، نعم فبدون الفقر فالخير مستحيل

هناك مبدأ ثابت مقرر وهو ان أقدار الناس تقدر بأفعالهم

ثم سألته عن رأيه في نابليون بونابرت
فقال :
أراه خلق للمجد وقد بدا في البساطة الزاهية التي يبدو فيها أولئك الابطال الذين تروي سيرهم في الأشعار الحماسية ، فالبطل يجب أن يكون إنسانا ، وكان للإنسانية من نابليون نصيب ، ولقد كان حاد الطبع خفيفه إنسانا إلي حد بعيد أعني أنه كان كسواه من الناس فاشتهي التمتع بقوة لاحد لها ، وهو ما يعتز به ويرغب فيه عامة الناس ، وكان هو نفسه نهب أوهام وتخيلات تملكته فنفثها في روح الجمهور ، وهذه الأوهام هي التي كونت قوته كما كونت ضعفه ، وكانت جماله وزينته ، فآمن بالمجد وكانت آراؤه في الناس والحياة التمتع كآراء أي من رجاله ذوي القامات الطويلة رماة القذائف فظل محتفظاً بتلك الرزانة الصبيانية التي كانت تفرح بصليل السيوف ودوي الطبول ، ذلك النوع من السذاجة الذي يصطنع الجنود الصالحين ويكونهم وكان شديد الإجلال للقوة ، وكان رجل الرجال وواحد الآحاد ولم يعن له قط خاطر إلا وضعه موضع التنفيذ ، فكان التعبير عن الفكر عنده هو الفعل

يقينا أن له الزكانة التي لابد منها للقيام بحركات بديعة في ملعبي العالم المدني والحربي ، بيد أنه محروم مزية التصور ودقة التأمل ، فتلك عبقرية أخري ، ولدينا مجموعة كتاباته وخطبه وأقواله ، فأسلوبه رشيق ووصفي ، وما من إشارة واحدة في مجموعة آرائه وخواطره إلي أي غرام بالبحث الفلسفي أو افتتان بالتنقيب العلمي أو اهتمام بالمجهول الخفي


ولقد كان منشأ قوته في إشعال المحبة في قلوب الرجال أينما حل وسار ، وكانت مسرة جنوده في أن يبذلوا له المهج ويموتوا فداءه

ثم سألته عن كتبه فقال:


إن المرء لا يقول قط في كتاب ما يريد في الحقيقة أن يقوله فمحال أن يفصح المرء عن فكره تمام الإفصاح ، وماذا يعنيني إذا كان الناس يعجبون بكتبي ماداموا يضعون فيها دوماً ما يعجبهم ؟!


إن كل قارئ يحل خيالاته محل خيالاتنا ، وكل ما نفعله بكتابتنا هو دغدغة مخيلات وزعزعتها !!

مع أناتول فرانس 2

وما عواطفنا إلا ذواتنا ، وإذن فليست كتبي القديمة إلا أنا نفسي ،

وهل أنا إلا هذه الاشياء الباريسية التي انعكست عن طريق حواسي وعقلي في أوقات مختلفة ، فأوحت إلي من معاني الحياة ما عدت لا أحيا إلا به الآن ، لهذا أحب باريس غاية الحب ، وبعبارة ثانية أحب باريس بقدر ما أحب نفسي سواء بسواء

ليت شعري كيف أرتاح بين هذه الكتب التي تذكي في حب الاستطلاع دائما دون أن تشبعه

كلما تقدم العلم جعل نفس الكتب التي كانت هي العامل الاهم في تقدمه عديمة النفع


الإنسان خلق ليتمتع بكل ما هو حسن جميل ، خلق ليعمل ما يريد ، ما دامت الاشياء التي يريدها شريفة ، وبريئة وسامية

التعليم الذي لا يهذب الارادة هو تعليم يفسد العقل ، فواجب المعلم الأول هو أن يعلم التلميذ كيف يريد

بالتسلية وحدها يتعلم الانسان وما فن التعليم سوي فن ايقاظ حسب الاستطلاع الطبيعي في نفوس الصغار ، حتي إذا كبر التلميذ أحس في نفسه بشبه نهمة إلي المعرفة ، فيظل أبداً باحثاً ، منقباً ، مستطلعاً ، إشباعاً لهذه النهمة التي تربت فيه عن طريق التسلية

يجب أن يتناول التلميذ معلوماته بشهية حسنة ، حتي يهضمها هضما حسنا

تعليم الاطفال يكون عن طريق شغلا أقل ولعباً أكثر

إن الانسان قلق البال دائماً فيما لا يقدر أن يفهمه


إن المستقبل ينبت أبداً علي أساس الماضي ، فإذا روضت نفسك علي القناعة بهذا العيش ، دون اضطراب أو ملل ، كان ذلك في المستقبل عوناً لك علي العيش في بيتك بسعادة وهناء

ترفق بالحياة ترفق بك ، وكن لطيفاً معها تكن لطيفة معك ، وتعلم كيف تحتمل ألم الصبر وجلد ، فمن تألم بصبر خف ألمه ، وبعد

إن الاخلاص قليل جداً في الحياة
وإن الانسان بقدر ما تطول حياته تعظم خسارته
وإن الانسان في أواخر عمره يفقد الثقة بالجميع ماعدا الصغار


لا ريب أن محبة العظمة غريزة ، لا تكون إلا في النفوس العظيمة

إذا مارزقت طفلا فلتكن كريما وتعطيه اسما جميلا عسي أن يعمل علي استحقاقه

البؤس قد يلقي علي الناس هيئة البلادة

في كل الفنون لا يسع الفنان إلا أن يعكس نفسيته ، وليس انتاجه إلا صور نفسه مهما ألبس من أثواب ، لأنه انعكاس عقله ليس إلا
وليت شعري أي شئ يدهشنا في " الكوميديا الالهية " دانتي إن لم تكن هي روح دانتي العظيمة
وقصاري القول أن الفنان ليس الا واحداً من إثنين ، فهو إما أن يودع روحه فيما يخرجه ، وإما أن يزخرف دمي وينحت ألعوبات


مع أناتول فرانس

مع أناتول فرانس


تحت شجرة ضخمة رجل عجوز ذو لحية بيضاء كان يجلس سلمت عليه فرد السلام وكان مبتسما فقلت له ما سر تلك الابتسامة فقال لي


لكل انتقال إلي طور من اطوار الحياة رهبته وروعته ، حتي الانتقال إلي أحب ما نصبو ونتوق إليه ، ذلك لأن ما نتركه وراءنا هو جزء منا ، ويجب أن تموت حياة لتحيا حياة أخري


فقلت له أراك قريب الشبه بأناتول فرانس فقال لي بل أنا هو
ثم استطرد في حديثه وكأنه لا يريد أن أتحدث عنه فأنصت له فقال:

إن الانسان الفقير الذي لا مطمح له ، يملك أعظم ثروة ، وهي نفسه ، أما الغني ذو الخيرات الوافرة الذي يتطلع إلي نيل كل شيئ فإنه عبد نفسه

نحن نعيش أطفالا أبداً لأننا نجري خلق دمي جديدة كل يوم

لا سبيل إلي الراحة في هذه الدنيا ، لأن الراحة التي تطلبها تصطدم أبداً بواجبات الحياة

إن العاطفة التي تثيرها فينا ذكريات شريفة أو تفكيرات عميقة هي بلا شك أسمي ما في الطبيعة البشرية

من السهل أن تفسر كتب الأقدمين ولكن هل تقدر أن تقرأ في كتاب الحياة

في بطء خطي الشيخوخة عوض عن سرعة جري الشباب ، والسير السريع حقيقة ألذ للنفس ولكن التمهل في السير أنفع وأكثر استيعابا لمشاهد الطريق

يتحدث الشعراء عن نبع الشباب ويتحسرون عليه كثيراً ، ونبع الشباب في الحقيقة لا يزال يتدفق في الارض عند كل خطوة نخطوها ، ولكننا نحن الذين نمر به دون أن نلتفت إليه ، فنحرم أنفسنا الري وهكذا تبقي أنفسنا ظامئة أبداً وا أسفاه

أما أنا فقد ظللت طول حياتي أحسب وأفكر وأقدر أن نبع شبابي نضب

لا شك أن جميع الذين يعنون بالاشياء العقلية يمكن التعرف عليهم فوراً ، بسيماء وامارات خاصة مشتركة بينهم جميعاً ولا يمكن وصفها بالكتابة

تمشيخ الاطفال كتطفل الشيوخ كلاهما بغيض وكلاهما ثقيل

دون كويكسوت يقول لي "فكر جيدا في الامور الهامة وأعرف أن فكرك هو برهان وجودك وقل لي في أي سسمو تفكر أخبرك عن مكانتك في الحياة

إن الفكر هو الحقيقة الوحيدة في الكون ، فليس العالم شيئاً أعظم من تأملات روحك السامية "

أما سانشو بانزا فإنه يقول لي كن دائما علي فطرتك وسجيتك يا صاح وحذار أن تتكلف ، إن قشرة الخبز التي يبست في جرابك خير لك من أشهي ما يطهي في مطابخ الأثرياء
كلما استطعت أن تكون بسيطا في عيشك فافعل ، تخير احسن ما تقرأ ولا تملأ دماغك إلا ما تحقق فائدته

من العجيب في أمر هؤلاء الذين يفكرون كثيراً في مسألة اسعاد البشر أنهم هم أنفسهم يتعسون جيرانهم كثيراً

اعتقد أن الناس لا يموتون إلا عندما تستحيل عليهم الحياة ، أي عندما يستنفدون كل ما تركه لهم العمر من معدات المقاومة والدفاع عن الروح

الانسان لا يستريح في هذه الدنيا من أمر إلا بأخذه في أمر آخر

وها أنا في السبعين من عمري ولا زالت تنبت في رأسي نزعات جديدة كما تنبت العساليج الجدد في جذع الشجرة الهرمة الجوفاء

الأربعاء، مارس 10، 2010