الاثنين، مارس 15، 2010

مع أناتول فرانس

مع أناتول فرانس


تحت شجرة ضخمة رجل عجوز ذو لحية بيضاء كان يجلس سلمت عليه فرد السلام وكان مبتسما فقلت له ما سر تلك الابتسامة فقال لي


لكل انتقال إلي طور من اطوار الحياة رهبته وروعته ، حتي الانتقال إلي أحب ما نصبو ونتوق إليه ، ذلك لأن ما نتركه وراءنا هو جزء منا ، ويجب أن تموت حياة لتحيا حياة أخري


فقلت له أراك قريب الشبه بأناتول فرانس فقال لي بل أنا هو
ثم استطرد في حديثه وكأنه لا يريد أن أتحدث عنه فأنصت له فقال:

إن الانسان الفقير الذي لا مطمح له ، يملك أعظم ثروة ، وهي نفسه ، أما الغني ذو الخيرات الوافرة الذي يتطلع إلي نيل كل شيئ فإنه عبد نفسه

نحن نعيش أطفالا أبداً لأننا نجري خلق دمي جديدة كل يوم

لا سبيل إلي الراحة في هذه الدنيا ، لأن الراحة التي تطلبها تصطدم أبداً بواجبات الحياة

إن العاطفة التي تثيرها فينا ذكريات شريفة أو تفكيرات عميقة هي بلا شك أسمي ما في الطبيعة البشرية

من السهل أن تفسر كتب الأقدمين ولكن هل تقدر أن تقرأ في كتاب الحياة

في بطء خطي الشيخوخة عوض عن سرعة جري الشباب ، والسير السريع حقيقة ألذ للنفس ولكن التمهل في السير أنفع وأكثر استيعابا لمشاهد الطريق

يتحدث الشعراء عن نبع الشباب ويتحسرون عليه كثيراً ، ونبع الشباب في الحقيقة لا يزال يتدفق في الارض عند كل خطوة نخطوها ، ولكننا نحن الذين نمر به دون أن نلتفت إليه ، فنحرم أنفسنا الري وهكذا تبقي أنفسنا ظامئة أبداً وا أسفاه

أما أنا فقد ظللت طول حياتي أحسب وأفكر وأقدر أن نبع شبابي نضب

لا شك أن جميع الذين يعنون بالاشياء العقلية يمكن التعرف عليهم فوراً ، بسيماء وامارات خاصة مشتركة بينهم جميعاً ولا يمكن وصفها بالكتابة

تمشيخ الاطفال كتطفل الشيوخ كلاهما بغيض وكلاهما ثقيل

دون كويكسوت يقول لي "فكر جيدا في الامور الهامة وأعرف أن فكرك هو برهان وجودك وقل لي في أي سسمو تفكر أخبرك عن مكانتك في الحياة

إن الفكر هو الحقيقة الوحيدة في الكون ، فليس العالم شيئاً أعظم من تأملات روحك السامية "

أما سانشو بانزا فإنه يقول لي كن دائما علي فطرتك وسجيتك يا صاح وحذار أن تتكلف ، إن قشرة الخبز التي يبست في جرابك خير لك من أشهي ما يطهي في مطابخ الأثرياء
كلما استطعت أن تكون بسيطا في عيشك فافعل ، تخير احسن ما تقرأ ولا تملأ دماغك إلا ما تحقق فائدته

من العجيب في أمر هؤلاء الذين يفكرون كثيراً في مسألة اسعاد البشر أنهم هم أنفسهم يتعسون جيرانهم كثيراً

اعتقد أن الناس لا يموتون إلا عندما تستحيل عليهم الحياة ، أي عندما يستنفدون كل ما تركه لهم العمر من معدات المقاومة والدفاع عن الروح

الانسان لا يستريح في هذه الدنيا من أمر إلا بأخذه في أمر آخر

وها أنا في السبعين من عمري ولا زالت تنبت في رأسي نزعات جديدة كما تنبت العساليج الجدد في جذع الشجرة الهرمة الجوفاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق