الأحد، ديسمبر 13، 2009

إنه ابن المقفع

إنه ابن المقفع

فقلت لابن المقفع حيث أنك لم تأتي معي لمجالس السمر هلا حدثتني بحديثك كي أنقله


قال لك ذلك متي شأت


قلت الآن


قال الآن إنك لشغوف ولحوح في طلب العلم والحكمة


قلت وهل في ذلك عيب ؟


قال لا ولكن


من استكثر من جمع العلوم وقراءة الكتب ، من غير إعمال الروية فيما يقرؤه ، كان خليقاً ألا يصيبه إلا ما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه اجتاز ببعض المفاوز ، فظهر له موضع آثار كنز ، فجعل يحفر ويطلب ، فوقع علي شيئ من عين وورق فقال في نفسه : إن أنا أخذت في نقل هذا المال قليلاً قليلاً طال علي وقطعني الاشتغال بنقله وإحرازه عن اللذة بما أصبت منه ، ولكن سأستأجر أقواماً يحملونه إلي منزلي ، وأكون أنا آخرهم ، ولا يكون بقي ورائي شئ يشغل فكري بنقله ، وأكون قد استظهرت لنفسي في إراحة بدني عن الكد بيسير أجرة أعطيهم إياها ، ثم جاء بالحمالين ، فجعل يحمل كل واحد منهم ما يطيق ، فينطلق به إلي منزله فيفوز به ، حتي لم يبق من الكنز شئ ، فانطلق خلفهم إلي منزله ، فلم يجد فيه شيئاً من المال ، لا قليلا ولا كثيرا ، وإذا كل واحد من الحمالين قد فاز بما حمله لنفسه ، ولم يكن له من ذلك إلا العناء والتعب ، لأنه لم يفكر في آخر أمره .


فقلت له فماذا أفعل؟

 فقال : علي العاقل إذا فهم الكتاب وبلغ نهاية علمه فيه ، أن يعمل بما علم منه لينتفع به ، ويجعله مثالاً لا يحيد عنه


فقلت له فإذا لم يفعل ؟


قال : فإذا لم يفعل كان كمثل الرجل الذي زعموا أن سارقا تسور عليه وهو نائم في منزله ، فعلم به فقال : والله لأسكتن حتي أنظر ماذا يصنع ، ولا أذعره ، ولا أُعلمه أني قد علمت به ، فإذا بلغ مراده قمت إليه ، فنغصت ذلك عليه ،

ثم إنه أمسك عنه ، وجعل السارق يتردد ، وطال تردده في جمعه ما يجده ، فغلب الرجل النعاس فنام ، ، وفرغ اللص مما أراد وأمكنه الذهاب

واستيقظ الرجل ، فوجد اللص قد أخذ المتاع وفاز به ، فأقبل علي نفسه يلومها ، وعرف أنه لم ينتفع بعلمه باللص ، إّ لم يستعمل في أمره ما يجب ، فالعلم لا يتم إلأا بالعمل ، وهو كالشجرة والعمل به كالثمرة .


فقلت له قد وعيت ما قلت جزاك الله خيرا


فقال هل تريد أن أزيدك ؟


قلت نعم فقلما أراك تتجول معنا في الوادي

فقال تعلم أني أحب السحر فلن تراني هنا إلا في مثل هذا الوقت


أما اليوم فلقد كان هناك حدثاً كنت أشهده


ثم قال لي : الدنيا كالماء الملح الذي لايزداد شاربه شربا ، إلا ازداد عطشاً ، وهي كالعظم الذي يصيبه الكلب فيجد فيه ريح اللحم ، فلا يزال يطلب ذلك حتي يدمي فاه .
ثم قال :
لم يبلغ أحد مرتبة إلا بإحدي ثلاث : إما بمشقة تناله في نفسه ، وإما بوضيعة في ماله أو وكس في دينه ، ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب .
ومن لم يفكر في العواقب لم يأمن من المصائب وحقيق ألا يسلم من المعاطب .

ثم هم بالانصراف وقال عرفت موعدي فإن أردت المزيد فعند السحر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق